Tuesday, 30 March 2010
دور الفقه في تأصيل وحدة المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد النبيين وختام المرسلين وقائد الغر المحجلين، وعلى آل بيته الطاهرين الذين نفى الله عنهم الزيغ والريب فكانوا سادة الأمة ونبراس الأنوار في الأعصر المدلهمة وعلى أصحابه الذين كافحوا لنشر الدين وائتمنوا فوفوا مخلصين وصبروا فكتبوا مع الصادقين واتبعوا النبي الأمي والنور الذين أنزل معه فكانوا من المفلحين.
وبعد، فيطيب لي أن أشكر مؤسسة أبرار ومنتدى الوحدة الإسلامية على هذه اللفتة الطيبة- أسأل الله لنا ولهم الإخلاص فيها- والتي يحتفون فيها كل عام بأسعد حدث في تاريخ البشرية، مولد نبي الرحمة والرسول النعمة (صلي الله عليه وعلى آله وسلم). وكل عام يتجدد الحوار الذي نأمل أن يخرج عن الإطار فيصير من مجرد حوار إلى خطة عمل فاعلة يشارك الجميع- بصدق وتجرد- في تحقيقها. فلا أكمل من أن ينشغل المخلصون من أبناء الأمة الواحدة بشأن الأمة الواحدة فالمسلمون كما وصف النبي (صلوات الله وسلامه عليه) يشد بعضهم بعضا و في الحديث: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر) (رواه مسلم عن النعمان بن بشير) وفي كل هذا تأسٍ بالجناب المحمدي حيث وصفه ربه فقال: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" (التوبة: 128) قال الشيخ أحمد بن عجيبة في البحر المديد: " الإشارة: ينبغي لورثته – عليه الصلاة والسلام- الداعين إلي الله أن يتخلقوا بأخلاقه صلي الله عليه وسلم فيشق عليهم ما ينزل بالمؤمنين من المشاق والمكاره وييسرون ولا يعسرون ويحرصون علي الخير للناس كافة ويبذلون جهدهم في إيصاله إليهم، ويرحمونهم ويشفقون عليهم. وقال الورتجبي: شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف." (البحر المديد: 3/135)
ومن المجالات التي يشق فيها الإختلاف بين أبناء المدرسة الفكرية الواحدة مجال الأحكام العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية والمعروف اصطلاحا بعلم الفقه، وهو لاشك أمر صحي مبارك وعلامة من علامات ثراء هذه الأمة. ومنشأ هذا الاختلاف، تفاوت الناس في فهم النص وسعة الشريعة ومرونتها وقبل هذا حكمة الله الحاصلة في قوله: (ولا يزالون مختلفين) (هود: 118) قال في البحر المديد: " الاختلاف بين الناس حكم أزلي لا محيد عنه." غير أن الخلل يكمن في فهم الناس لهذا الاختلاف ونظرتهم إلى هذا التباين على أنه تباين شقاق لا تنوع أذواق. من هنا حولوا النعمة إلى نقمة وواجب علماء الأمة إعادة رأب هذا الصدع ولم هذا الشتات، لا عن طريق توحيد الآراء وإنما عن طريق بيان حكمة الاختلاف في الأمور الفقهية وغيرها والتأكيد على آداب الاختلاف وتجلية أبعاد هذه المنظومة النبوية في التعامل مع المتخالفين وبحث مساحات الاتفاق. يقول الدكتور محمد عماره:
(أولاً: إن توجيه جهود التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى جانب التقريب بين المذاهب الفقهية، هو جهاد فى غير الميدان الحقيقى الأولى بالجهاد.. أو- على أحسن الفروض - هو جهاد فى الميدان الأسهل، الذى لا يمثل المشكلة الحقيقية فى الخلافات بين المذاهب الإسلامية.. وبين السنة والشيعة على وجه التحديد - فالفقه هو علم الفروع.. وكلما زاد الاجتهاد والتجديد فى الفقه الإسلامى كلما تمايزت الاجتهادات فى الأحكام الفقهية، ففتح الآفاق أمام تمايزات الاجتهادات هو الذى يحرك العقل الإسلامى المجتهد، وليس التقريب - فضلاً عن التوحيد لهذه الاجتهادات- فقط نريد احتضان الاجتهادات المذهبية والفقهية المتنوعة، والاستفادة بالملائم من أحكامها للتيسير على الناس، ولمواكبة المستجدات.
ثانيًا: إن الفقه هو علم الفروع.. وتمايز الاجتهادات فيه واختلاف المجتهدين فى أحكامه لم يكن فى يوم من الأيام يمثل مشكلة لوحدة الأمة؛ بل كان مصدر غنى وثراء للعقل الفقهى والواقع الإسلامى على السواء.. وفى الفقه كان الأئمة والعلماء، المختلفون فى المذاهب، يتتلمذ الواحد منهم على من يخالفه فى المذهب.. بل ورأينا فى تراثنا من العلماء الأعلام من يجمع المذاهب المتعددة فى فقهه وعطائه، فيفتى وفق مذهب، ويقضى وفق مذهب ثان، ويدرّس كل المذاهب لطلاب علمه ومريديه.
فاختلاف المذاهب الفقهية هو ظاهرة صحية فى الفكر الإسلامى، وهو مصدر من مصادر الغنى والثراء لهذا الفقه، ولا يمثل أية مشكلة لوحدة أمة الإسلام.. ومن ثم، فليس هو الميدان الحقيقى والأولى للجهاد الفكرى فى التقريب بين مذاهب المسلمين.
وثالثًا: إن الميدان الذى كان ولا يزال يمثل مشكلة لوحدة الأمة- التى هى فريضة إلهية وتكليف قرآنى- هو ميدان بعض الاجتهادات المذهبية فى المذاهب الكلامية الإسلامية.. وعلى وجه التحديد أحكام "التكفير" و"التفسيق" التى نجدها فى تراث هذه المذاهب. "
الأزمة أيها السادة لا تكمن في الفقه، وإنما تكمن في عدم الفقه (وأقصد بهذا الفقه بمعناه اللغوي الفهم) فنحن مطالبون أن نأخذ من الفقه معناه ونعيد تدويره وتطبيقه، لنحسن الفهم عن الله ونحسن الأخذ عن العلماء اختلفنا معهم أو اتفقنا. مما قد يفيد في هذا الباب هنا في الغرب، البحث في قضايا الأقليات المسلمة والاستفادة من الاجتهادات الفقهية المقدمة من العلماء المعتبرين بغض النظر عن مذهبهم. وقد أثبت لنا التاريخ حدوث هذا التلاقح بين السنة والشيعة فأخذ فقهاء القانون المصري بالوصية الواجبة سنة 1946 وتحديد سن الإنفاق على الأولاد من قبل الأب سنة 1985 استنادا إلى المذهب الجعفري، ويفتي كثير من المشايخ بوقوع الثلاث طلقات في المجلس الواحد واحدة إلي غير هذا من المسائل التي حدث فيها تمازج بين المدرستين. واتفاق المدرستين في اشتراط الأهلية لتعاطي الفقه والاجتهاد وتأسس هذا على كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وعلى آله وسلم أمر لا مرية فيه.
لذا: فنحن اليوم – في ذكراه صلي الله عليه وسلم- لا ندعوا إلى توحيد الفقه وإنما ندعوا إلي فقه التوحيد، ندعوا لإلغاء مساحة الضبابية التي لا تزال تعزلنا عن بعضنا البعض حتي نحسن الفهم، فهم طبيعة سنة الله عز وجل فنعمل على اتباعها والتأدب معها.
اللهم إنا نسألك الأخذ بأحسن ما تعلم والترك لسيئ ما تعلم ونسألك التكفل بالرزق والزهد في الكفاف، والمخرج بالبيان من كل شبهة والفلج بالصواب في كل حجة والعدل في الغضب و الرضى والتسليم لما يجري به القضا والاقتصاد في الفقر والغنى والتواضع في القول والفعل والصدق في الجد والهزل. اللهم نور بالعلم قلوبنا وخلص من الفتن أسرارنا وأشغل بالاعتبار أفكارنا وقنا شر وساوس الشيطان وأجرنا منه يا رحمن حتى لا يكون له علينا سلطان.
وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة بمناسبة المولد النبوي في مؤسسة أبرار- لندن يوم 2 مارس 2010 تحت رعاية منتدى الوحدة الإسلامية- ألقاها الشيخ أحمد سعد إمام المسجد المركزي بشمال لندن
Wednesday, 11 March 2009
The Neo-Inquisition: One of the Fitan before the Last Day
NO one on earth has the right to tell what is in the heart of another human being or to judge his faith; simply, because faith belongs only to Almighty Allah. Even when scholars evaluate, based on their knowledge, the views of others, they, full of manners and etiquettes, stick to the brilliant Islamic principle of husn adh-dhann. Yet, with all the traditional heritage which speaks about the importance of thinking good of others, finding excuses for them, avoiding any attempt of judging their faith unless they themselves admit decisively and clearly a position, in a way that does not have any alternation or second understanding, there are some brothers and sisters here and there who are selling their akhirah by falling into the honour and the deen of others, trying to classify or sectify them forgetting or neglecting the hadith narrated by Ahmed, Abu Dawud, At-Tirmidhi and Ibn Hibban, that reads: “O You who have declared faith only by tongue, faith yet has not entered their hearts! Do not backbite Muslims or follow their slips (mistakes), for whoever follows their mistakes, Allah will follow his mistakes. And whomever Allah follows the mistakes of, He will scandalise him even if he were inside his own house.”
These brothers and sisters do not know the least that can be said about what they do is that it is lack of adab (good manners), let alone the fact they are harming the believers with something they (the believers) have not done. Almighty Allah says in Surat An-Nur: “And those who speak evil things of the believing men and the believing women without their having earned (it), they are guilty indeed of a false accusation and a manifest sin.” (An-Nur: 58)
The disaster is that many of these brothers and sisters speak of things that they have not witnessed by their eyes, people communicating falsehood based on falsehood and if you try to ascertain the source of the information, you will end up to nowhere. `Umar ibn Al-Khattab (May Allah be pleased with him) teaches us the adab of abstaining from communicating everything we hear. He says: “It is enough lying to say everything you hear.”
What add insult to injury is that these brothers now speak about scholars and du`ah who spend their days and minutes in the service of this deen, so the scholars are spending their days in the service of the deen and the brothers rewarding them by writing that these are ‘deviants’, ‘evil’ or ‘devils’, not knowing that the flesh of scholars is diseased and whoever eats it (i.e. speaks ill about them) Allah will plague him with the death of his heart (he will not be connected to Allah anymore, nor feel sweetness in anything). Such an awful punishment is something that everyone should avoid by sticking to this simple adab.
Distributing certificates of Iman and kufr is not the job of any of us. It is not our job either to ask if this Sheikh has a clean `aqeedah or not. What is a clean `aqeedah as well? They will answer you, (`aqeedah that free from bid`ah!) Ok! What is bid`ah and is bid`ah something that relates to faith or to Fiqh and should we judge it in the realm of faith or the realm of practice. In addition to this, how can we say that someone’s Iman is fake or damaged because he simply has a view that is different from ours; yet, falling with the realm of Islam and the valid difference of scholars. How can we reject someone just because has chosen to follow another Islamic school of though that is Islamically valid and falls within the scope of mercy (rahmah).
This Neo-inquisition of asking about people’s `aqeedah is the biggest bid`ah (innovation) and fitnah (mischief and corruption) of our time that should be stopped. We, brothers and sisters, have to stop sectifying (making them sects) people or branding them in anyway, simply because this will not do any good job to our Ummah or our community and will just create divisions.
Our young brothers and sisters should fear Allah and stick to adab and know their positions in knowledge, that they are nowhere. They have to respect their elders and learned ones and ask Allah to have mercy upon them all, because without them doing that, they cannot claim being students of knowledge, simply because adab (manners) happen before knowledge.
O Allah, show us the truth and enable us to follow it and show us the falsehood and enable us to avoid it.
Your brother in Islam
Abu Muhammad
Sheikh Ahmed Muhammad Sa’ad Al-Azhari Ash-Shafi`ie
These brothers and sisters do not know the least that can be said about what they do is that it is lack of adab (good manners), let alone the fact they are harming the believers with something they (the believers) have not done. Almighty Allah says in Surat An-Nur: “And those who speak evil things of the believing men and the believing women without their having earned (it), they are guilty indeed of a false accusation and a manifest sin.” (An-Nur: 58)
The disaster is that many of these brothers and sisters speak of things that they have not witnessed by their eyes, people communicating falsehood based on falsehood and if you try to ascertain the source of the information, you will end up to nowhere. `Umar ibn Al-Khattab (May Allah be pleased with him) teaches us the adab of abstaining from communicating everything we hear. He says: “It is enough lying to say everything you hear.”
What add insult to injury is that these brothers now speak about scholars and du`ah who spend their days and minutes in the service of this deen, so the scholars are spending their days in the service of the deen and the brothers rewarding them by writing that these are ‘deviants’, ‘evil’ or ‘devils’, not knowing that the flesh of scholars is diseased and whoever eats it (i.e. speaks ill about them) Allah will plague him with the death of his heart (he will not be connected to Allah anymore, nor feel sweetness in anything). Such an awful punishment is something that everyone should avoid by sticking to this simple adab.
Distributing certificates of Iman and kufr is not the job of any of us. It is not our job either to ask if this Sheikh has a clean `aqeedah or not. What is a clean `aqeedah as well? They will answer you, (`aqeedah that free from bid`ah!) Ok! What is bid`ah and is bid`ah something that relates to faith or to Fiqh and should we judge it in the realm of faith or the realm of practice. In addition to this, how can we say that someone’s Iman is fake or damaged because he simply has a view that is different from ours; yet, falling with the realm of Islam and the valid difference of scholars. How can we reject someone just because has chosen to follow another Islamic school of though that is Islamically valid and falls within the scope of mercy (rahmah).
This Neo-inquisition of asking about people’s `aqeedah is the biggest bid`ah (innovation) and fitnah (mischief and corruption) of our time that should be stopped. We, brothers and sisters, have to stop sectifying (making them sects) people or branding them in anyway, simply because this will not do any good job to our Ummah or our community and will just create divisions.
Our young brothers and sisters should fear Allah and stick to adab and know their positions in knowledge, that they are nowhere. They have to respect their elders and learned ones and ask Allah to have mercy upon them all, because without them doing that, they cannot claim being students of knowledge, simply because adab (manners) happen before knowledge.
O Allah, show us the truth and enable us to follow it and show us the falsehood and enable us to avoid it.
Your brother in Islam
Abu Muhammad
Sheikh Ahmed Muhammad Sa’ad Al-Azhari Ash-Shafi`ie
Wednesday, 11 February 2009
من عيون الشعر اللطيف
النخلة المعوجه لحافظ إبراهيم
بين الحديقة والنهر وجمال ألوان الزهر
والطير يشدو بالغناء العذب فى شتى الصور
سارت مها مسرورة مع والد حان أبر
فرأت هنالك نخلة معوجة بين الشجر
فتناولت حبلا وقالت يا أبى هيا انتظر
حتى تقوم عودها فتكون أجمل فى النظر
فأجاب والدها لقد كبرت وطال بها العمر
ومن العسير صلاحها فات الأوان ولا مفر
قد ينفع الاصلاح والتهذيب فى عهد الصغر
(حافظ إبراهيم)
-------------
النملة والمقطم (لأمير الشعراء أحمد شوقي)
كانت النملة تمشى مرة تحت المقطم
فأرتخى مفصلها من هيبة الطود المعظم
وانحنت تنظر حتى أوجد الخوف وأعدم
قالت اليوم هلاكى حل يومى وتحتم
ليت شعرى كيف أنجو ان هوى هذا واسلم ؟
اسرعت تجرى وعيناها ترى الطود فتندم
سقطت فى شبر ماء هو عند النمل كاليم
ثم قالت وهى أدرى بالذى قالت واعلم
ليتنى لم اتأخر ليتنى لم اتقدم
صاح لا تخش عظيما فالذى فى الغيب اعظم
-----------------
برز الثعلب (لأمير الشعراء أحمد شوقي)
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا
ويقول : الحمدلله إله العالمينا
ياعباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك : عذراً يا أضلّ المهتدينا
بلّغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا
مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا
بين الحديقة والنهر وجمال ألوان الزهر
والطير يشدو بالغناء العذب فى شتى الصور
سارت مها مسرورة مع والد حان أبر
فرأت هنالك نخلة معوجة بين الشجر
فتناولت حبلا وقالت يا أبى هيا انتظر
حتى تقوم عودها فتكون أجمل فى النظر
فأجاب والدها لقد كبرت وطال بها العمر
ومن العسير صلاحها فات الأوان ولا مفر
قد ينفع الاصلاح والتهذيب فى عهد الصغر
(حافظ إبراهيم)
-------------
النملة والمقطم (لأمير الشعراء أحمد شوقي)
كانت النملة تمشى مرة تحت المقطم
فأرتخى مفصلها من هيبة الطود المعظم
وانحنت تنظر حتى أوجد الخوف وأعدم
قالت اليوم هلاكى حل يومى وتحتم
ليت شعرى كيف أنجو ان هوى هذا واسلم ؟
اسرعت تجرى وعيناها ترى الطود فتندم
سقطت فى شبر ماء هو عند النمل كاليم
ثم قالت وهى أدرى بالذى قالت واعلم
ليتنى لم اتأخر ليتنى لم اتقدم
صاح لا تخش عظيما فالذى فى الغيب اعظم
-----------------
برز الثعلب (لأمير الشعراء أحمد شوقي)
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا
ويقول : الحمدلله إله العالمينا
ياعباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك : عذراً يا أضلّ المهتدينا
بلّغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا
مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا
Friday, 19 September 2008
من مذكرات شيخنا القرضاوي الجزء الرابع
وفاة الشيخ مصباح محمد عبده
أبدأ هذا الجزء (الرابع) من ملامح السيرة والمسيرة بأمر كان ينبغي أن يكون في الجزء السابق (الثالث)، ولكن الذاكرة التي أصابتها الشيخوخة خانتني، فحسبت الحادث متأخرا عن وقته. ولا غرو أن ينسى المرء بعض الأحداث، أو ينسى ميقاتها، فقد نسي آدم أبو البشر، كما ذكر القرآن، ومن شابه أباه فما ظلم، وقال في ذلك الشاعر:
فإن أولَ ناسٍ أولُ الناس!
وقال فتى موسى: {إِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف:63].
هذا الحدث هو: وفاة أخي وصديقي الشيخ مصباح محمد عبده رحمه الله رحمة واسعة. فقد عرفت بالسؤال وبالرجوع إلى التواريخ: أنه توفى في سنة 1976م.
وهذا هو الصديق الثاني الذي أفقده من أصدقائي المقربين، أصدقاء الشباب، بعد أن فقدت صديقي الأول محمد الدرداشي مراد رحمه الله.
وأنا رجل عاطفي، أحزن وأفرح، وأضحك وأبكي، وإن كانت عاطفة الحزن عندي أقوى، ومنها الحزن على الأصدقاء.
أجل، لقد ودعنا الأخ الحبيب والصديق الصدوق، الشيخ مصباح محمد عبده، المدرس بالمعهد الديني الثانوي في قطر، والذي وافته المنية فجأة في أوائل العام الدراسي في 26/9/1976م، بعد أزمة قلبية، لم يسعفه فيها الدواء المعتاد الذي كان يتناوله عندما تصيبه هذه الأزمة، يبدو أن الدواء قد فرغ من عنده، ولم يسارع بإحضار البديل، لينفذ قضاء الله في وقته المقدر له، كما قال تعالى: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:4] {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:11].
وقد اتصل بي أهله، وقد بلغ الكتاب أجله، فذهبت إلى منزله، لأجد (المصباح) قد انطفأ، وقد فات أوان الإسعاف والإنقاذ، ولم يبق إلا التسليم لقدر الله الذي لا يرد، وإلا أن نقول: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [البقرة:156].
كان مصباح كأنما يتهيأ للخروج، فقد كنا في إجازة العيد، ولذا وجدته بكامل لباسه، وكل شيء فيه كأنه لا يزال حيا. لولا هذا الكائن الداخلي الذي يجحده الماديون، ويؤمن به كل ذي دين، وهو ما نسميه (الروح). الذي به يكتسي هذا الغلاف الطيني (الحياة).
وبدون هذه الروح – أو ما يسميه عامة الناس: السر الإلهي – يتحول الإنسان صاحب العلم والبيان، إلى جثة هامدة، بمجرد أن يختطف الموت هذا الكائن الداخلي، ولا يستطيع أحد له مقاومة. وهكذا دخلنا الحياة بغير إرادتنا، وخرجنا منها بغير إرادتنا. {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [المؤمنون:80].
وأصرت زوجته على أن يدفن في بلده محلة أبو علي، وأن ينقل جثمانه – كما هي العادة – على الطائرة إلى القاهرة، ثم تحمله سيارة إسعاف إلى حيث يقبر، وكنا نود لو ووري جثمانه في ثرى قطر، وهي أرض إسلامية، بدل السفر وما فيه من مشقة. ولكن أمام إصرار الزوجة، لم يكن بد من تسفيره على حساب حكومة قطر، وأن يسافر أحد الإخوة في رفقة أهله.
كان مصباح من أصدقائي القدامى، ومن رفقاء الدرب في الدراسة والسكن والدعوة والمحنة.
لقد تعارفنا حين كنا طلبة في المرحلة الثانوية في طنطا، وزرته في قريته، وزارني في قريتي، ولكني كنت الأكثر ترددا على قريته (محلة أبو علي: القنطرة) وهي تعتبر الجار ذا القربى للمحلة الكبرى. والآن تلاصقتا، وأصبحت كأنها جزء من المحلة الكبرى.
وكان مصباح قد توفى أبوه وهو صغير، وتربى يتيما مثلي، وتولت تربيته أمه، وكانت امرأة عاقلة ذات عزيمة قوية، ما زالت وراءه حتى دخل الأزهر وتخرج فيه.
وكان لي كثرة من الأصدقاء في محلة أبو علي، منهم من لحق بربه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. منهم: السيد النفاض، ورمزي الدمنهوري، والسيد الغضبان، وعبد القادر عامر، حفظهم الله، ومنهم: حمدي شبند، وعلي خفاجة، وعبد المجيد بقلولة رحمهم الله. وكنت كثيرا ما أبيت في محلة أبو علي – أيام العزوبة – مع أحد الأصدقاء.
وفي كلية أصول الدين سكن معي مصباح في (شقة شارع رائب باشا) الشهيرة، في شبرا، ولكنه نجا من الاعتقال في حين معظم سكانها اعتقلوا.
وعمل الشيخ مصباح مفتشا للمساجد في وزارة الأوقاف مع الشيخ الغزالي، إلى أن جاء إلى قطر.
وقد تحدثت عن مصباح من قبل في هذه المذكرات بمناسبات شتى، وخصوصا في الجزء الأول. وقد اعتقل معنا في محنة 1949م، ودخل معي معتقل هايكستب ورحلنا معا إلى الطور، وأصابه ما أصابه من مرض الروماتيزم. وذكرت من فكاهاته وطرائفه، ما أضحكنا وأدخل علينا البهجة في أتون الاعتقال.
كان مصباح رجلا طيب القلب، نقي السريرة، ظاهره كباطنه، محببا إلى الناس، لم أر أحدا يكرهه أو يعاديه. فقد كان سهل التعامل، هينا لينا متواضعا خافض الجناح لإخوانه، يألف ويؤلف، بسيطا في مظهره وفي مخبره وفي حياته كلها، كما كان فكها خفيف الروح، له لطائف وفكاهات تصدر عنه بلا تكلف ولا تصنع.
كنا ونحن بالكلية إذا سئل: كم كان ترتيبك يا شيخ مصباح؟ فيقول: الشيخ يوسف هو الأول من ناحية، وأنا الأول من الناحية الأخرى! فنحن نحيط الكلية من جانبيها!
وكان يعمد إلى الألفاظ الغريبة والشائكة، إذا كانت صحيحة، مثل لفظة الدلالة، ينطقها بضم الدال (الدُّلالة) فإذا اعترض عليه معترض وسأله، قال: الدال يجوز فيها الفتح والكسر والضم، ثم يقول: أنا آتي بالغريب، ليستشكل عليّ فأجيب!
وله شعر مما يسميه بعضهم: الشعر الحلبنتيشي! لا أذكر منه الآن شيئا أرويه.
رحم الله مصباحا وغفر له وتقبله في عباده الصالحين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وجمعنا به في الفردوس الأعلى. آمين.
Thursday, 11 September 2008
Ramadan: Busy and Quick...so life
Ramadan schedule here in the UK is no much different from the other parts of the world, but in one aspect that you are out during the day and can simply see people eating and drinking, having their normal life, and you simply look different, of course not in appearance but simply inside,
I was out with the family and my wife just happened to suggest me to take here to Primark as she wants to buy some stuff for the kids. Well, let me think about it,,,,it is almost 4 PM now and Maghrib is in 3 and half hrs, so do you think it is a good idea, i said,
"O yea" she cheered and being the FATHER I had to go with the crowd. Well, I cannot deny I enjoy shopping sometimes but that one was such a boring experience and I was feeling very dizzy.....i ended up asking her to pick up whatever she wants and give us a quick move,,,,
Back home, I mean in Egypt, it was never like this as shopping was Ramadan oriented ,,,,it is a difference,,, living in Ramadan and living Ramadan
I was out with the family and my wife just happened to suggest me to take here to Primark as she wants to buy some stuff for the kids. Well, let me think about it,,,,it is almost 4 PM now and Maghrib is in 3 and half hrs, so do you think it is a good idea, i said,
"O yea" she cheered and being the FATHER I had to go with the crowd. Well, I cannot deny I enjoy shopping sometimes but that one was such a boring experience and I was feeling very dizzy.....i ended up asking her to pick up whatever she wants and give us a quick move,,,,
Back home, I mean in Egypt, it was never like this as shopping was Ramadan oriented ,,,,it is a difference,,, living in Ramadan and living Ramadan
Tuesday, 27 May 2008
JOIN IMAM SAAD'S NEW LIVE DIALOGUE
Dear Brothers and Sisters
InshaAllah I will be the guest of a Live Dialogue entitled: "Ask About Women in Islam" with Islam Online.Net and Reading Islam Website. The focus of this session will be "What Does Islam Really Say About Women and What Are the Misconceptions normally Raised in this Subject" Please promote and join. if you have any questions, they will be answered on the spot inshaAllah.Here are the details:
Date: Wednesday June 4, 2008
Time: 1:00 PM- 3:00 PM London Time (disregard any other time announced on the website you can submit your questions at these times)- this time corresponds to 3:00-5:00 Cairo Time for those in Cairo to know - It corresponds to 12:00 AM- 2:00 PM GMT. URL to visit and submit questions: http://www.readingislam.com/livedialogue/select.asp
The AD Is NOW on, please promote amongst your friends
Yours in Islam
Imam Ahmed Saad
InshaAllah I will be the guest of a Live Dialogue entitled: "Ask About Women in Islam" with Islam Online.Net and Reading Islam Website. The focus of this session will be "What Does Islam Really Say About Women and What Are the Misconceptions normally Raised in this Subject" Please promote and join. if you have any questions, they will be answered on the spot inshaAllah.Here are the details:
Date: Wednesday June 4, 2008
Time: 1:00 PM- 3:00 PM London Time (disregard any other time announced on the website you can submit your questions at these times)- this time corresponds to 3:00-5:00 Cairo Time for those in Cairo to know - It corresponds to 12:00 AM- 2:00 PM GMT. URL to visit and submit questions: http://www.readingislam.com/livedialogue/select.asp
The AD Is NOW on, please promote amongst your friends
Yours in Islam
Imam Ahmed Saad
Sunday, 18 May 2008
اخترت لكم: 3 هذا العالم أحبه: فضيلة الإمام العارف بالله شيخ الإسلام الدكتور عبد الحليم محمود
ولد عبد الحليم محمود في قرية أبو احمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في (2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ= 12من مايو 1910م)، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه.
بعد أن أكمل الصبي حفظ القرآن الكريم التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1351هـ=1932م) ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراة في التصوف الإسلامي، عن الحارث المحاسبي في سنة (1359هـ= 1940م).
وبعد عودته إلى مصر عمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، وتدرج في مناصبها العلمية حتى عين عميدا للكلية سنة (1384هـ= 1964م) ثم اختير عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينا عاما له، ثم اختير وكيلا للأزهر سنة (1390هـ= 1970م) ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر.
وللشيخ أكثر من 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، ومن أشهر كتبه: أوربا والإسلام، والتوحيد الخالص أو الإسلام والعقل، وأسرار العبادات في الإسلام، والتفكير الفلسفي في الإسلام، والقرآن والنبي، والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي.
إرهاصات الإصلاح
بدت بوادر الإصلاح واضحة في سلوك الشيخ عبد الحليم محمود بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حل محل جماعة كبار العلماء، فبدأ بتكوين الجهاز الفني والإداري للمجمع من خيار رجال الأزهر، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين وأصحاب المروءات.
وعمل الشيخ على توفير الكفايات العلمية التي تتلاءم ورسالة المجمع العالمية، وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عني بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.
وأثناء توليه لوزارة الأوقاف عني بالمساجد عناية كبيرة، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص أقدم المساجد في إفريقيا، وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ محمد الغزالي فدبت فيه الروح، وعادت إليه الحياة بعد أن اغتالته يد الإهمال، وتدفقت إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وأنشأ بمساجد الوزارة فصولا للتقوية ينتفع بها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلافا من الطلاب إلى المساجد وربطتهم بشعائر دينهم الحنيف.
ورأى أن للوزارة أوقافا ضخمة تدر ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعي لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعي، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافا عدت عليها يد الغصب أو النسيان، فعمل على استرداد المغتصب، وإصلاح الخرب.
استعادة هيبة الأزهر وشيخه
صدر قرار تعيين الشيخ عبد الحليم محمود شيخا للأزهر في (22 من صفر 1393هـ= 27 من مارس 1973م)، وكان هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير له، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديدمن رئيس الجمهورية في (17 من جمادى الآخرة 1394هـ= 7 من يوليو 1974م) يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يغض من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي.
روجع الإمام في أمر استقالته، وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره، لكن الشيخ أصر على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.
وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر أنور السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر.
وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه ليواصل جهاده. وجدير بالذكر أن قرارا جمهوريا صدر بعد وفاة الشيخ بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.
مسئولية شيخ الأزهر
كان الشيخ عبد الحليم يدرك خطورة منصبه، وأنه مسئول عن القضايا التي تتعلق بالمسلمين، وأنه لا ينتظر من أحد توجيها إلى النظر في بعض القضايا وغض النظر عن بعضها، فكان للأزهر في عهده رأي ومقال في كل قضية وموضوع يتعلق بأمر المسلمين، فتصدى لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت الدكتورة عائشة راتب إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، وحرصت على إقراره من مجلس الشعب على وجه السرعة، وكان هذا القانون قد تضمن قيودا على حقوق الزوج على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية.
ولما علم الإمام الأكبر بهذا القانون أصدر بيانا قويا حذر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور، لكن بيان الشيخ تآمرت عليه قوى الظلام فصدرت التعليمات إلى الصحف بالامتناع عن نشره، واجتمعت الحكومة للنظر في بيان الشيخ عبد الحليم محمود، ولم تجد مفرا من الإعلان عن أنه ليس هناك تفكير على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح الإمام في قتل القانون في مهده.
الكتب الدينية المشتركة
اقترح البابا شنودة بطريرك الأقباط في مصر تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس، مبررا ذلك بتعميق الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، وتقوية الروابط بينهما.
لقي هذا الاقتراح قبولا بين كبار المسئولين، وزار الدكتور مصطفى حلمي وزير التربية والتعليم آنذاك الإمام الأكبر ليستطلع رأيه في هذا الاقتراح، لكن الشيخ الغيور واجه الوزير بغضبة شديدة قائلا له: من آذنك بهذا، ومن الذي طلبه منك، إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة، ويوم يطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردي عليها سوى الاستقالة.
وما كان من الوزير إلا أن استرضى الشيخ الغاضب وقدم اعتذارا له قائلا له: إنني ما جئت إلا لأستطلع رأي فضيلتكم وأعرف حكم الدين، ويوم أن تقدم استقالتك لهذا السبب فسأقدم استقالتي بعدك مباشرة.
المحاكم العسكرية غير مؤهلة
ومن مواقف الشيخ الشجاعة ما أبداه تجاه المحكمة العسكرية التي تصدت للحكم في قضية جماعة التكفير والهجرة المصرية، وكانت المحكمة قد استعانت بعدد من علماء الأزهر لإبداء الرأي في فكر هذه الجماعة، غير أن المحكمة لم تسترح لرأيهم، وكررت ذلك أكثر من مرة، وكانت في عجلة من أمرها؛ الأمر الذي جعلها تصدر أحكاما دون استئناس برأي الأزهر.
ولم تكتف هذه المحكمة بذلك بل تضمن حكمها هجوما على الأزهر وعلمائه، وقالت: إنه كان على المسئولين عن الدعوة الدينية أن يتعهدوا الأفكار بالبحث والتدبر بدلا من إهمالها وعدم الاعتناء بمجرد بحثها.
ولمزت المحكمة علماء الأزهر بقولها: "وواأسفا على إسلام ينزوي فيه رجال الدين في كل ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح عن رأيهم أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة".
وكانت كلمات المحكمة قاسية وغير مسئولة وتفتقد إلى الموضوعية والأمانة، وهو ما أغضب الإمام الأكبر لهذا الهجوم العنيف، فأصدر بيانا امتنعت معظم الصحف اليومية عن نشره، ولم تنشره سوى صحيفة الأحرار.
وفي هذا البيان اتهم عبد الحليم محمود المحكمة بالتعجل وعدم التثبت، وأنها لم تكن مؤهلة للحكم على هذا الفكر، وأنها تجهل الموضوع الذي تصدرت لمعالجته، وكان يجب عليها أن تضم قضاة شرعيين يقفون موقفها ويشاركونها المسئولية ويتمكنون من الاطلاع على جميع ظروف القضية ونواحيها فيتمكنون من إصدار الحكم الصحيح.
واتهم الإمام المحكمة بأنها لم تمكن علماء الأزهر من الاطلاع على آراء هذا التنظيم أو الاستماع إلى شرح من أصحابه، والاطلاع على كافة الظروف التي أدت بهم إلى هذا الفكر، واكتفت بأن عرضت عليهم المحضر الذي سجلته النيابة من أقوال ومناقشات، وهذا لا يرقى أن يكون مصدرا كافيا يقوم عليه بحث العلماء، أو أساسا متكاملا تصدر عليه أحكام.
التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية
تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام.
وأدرك الشيخ خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ في التوسع في التعليم الأزهري، فكفاه الناس مئونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوي النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر في تحقيق ما يصبو إليه، فزادت المعاهد في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.
تطبيق الشريعة الإسلامية
ومن أهم دعوات الشيخ دعوته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية من ميادين الجهاد التي خاضها في صبر وجلد داعيا وخطيبا ومحاضرا ومخاطبا المسئولين في البلاد، فكتب إلى كل من سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول لهمها: "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا...".
ولم يكتف الإمام الأكبر بإلقاء الخطب والمحاضرات وإذاعة الأحاديث، بل سلك سبيل الجهاد العلمي، فكون لجنة بمجمع البحوث الإسلامية لتقنين الشريعة الإسلامية في صيغة مواد قانونية تسهل استخراج الأحكام الفقهية على غرار القوانين الوضعية، فأتمت اللجنة تقنين القانون المدني كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
الاهتمام بأمور المسلمين
كان الشيخ عبد الحليم محمود يستشعر أنه إمام المسلمين في كل أنحاء العالم، وأنه مسئول عن قضاياهم، وكان هؤلاء ينظرون إليه نظرة تقدير وإعجاب، فهم يعتبرونه رمز الإسلام وزعيم المسلمين الروحي، ولهذا كان يخفق قلب الإمام لكل مشكلة تحدث في العالم الإسلامي، ويتجاوب مع كل أزمة تلمّ ببلد إسلامي.
فقد أصدر بيانا بشأن الأحداث الدامية والحرب الأهلية في لبنان، دعا الأطراف المتنازعة من المسلمين والمسيحيين إلى التوقف عن إراقة الدماء وتخريب معالم الحياة، وأهاب بزعماء العرب والمسلمين إلى المسارعة في معاونة لبنان على الخروج من أزمته، وفاء بحق الإسلام وحق الأخوة الوطنية والإنسانية، وقياما ببعض تبعات الزعامة والقيادة التي هي أمانة الله في أعناقهم.
ولم يكتف الشيخ بذلك بل أرسل برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده العمل بحسم وعزم على وقف النزيف الدموي الذي أسالته المؤامرات المعادية على أرض لبنان.
الأزمة المغربية الجزائرية
قامت أزمة عنيفة بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغريبة التي كانت أسبانيا تحتلها، وأدى الخلاف بينهما إلى مناوشات حربية كادت تتحول إلى حرب عنيفة.
ولما علم الإمام بأخبار هذه التحركات سارع إلى إرسال برقية إلى كل من ملك المغرب ورئيس الجزائر، دعاهما إلى التغلب على نوازع الخلاف وعوامل الشقاق والفرقة، وأن يبادرا بتسوية مشكلاتهما وموضوعات الخلاف بينهما بالتفاهم الأخوي والأسلوب الحكيم، وناشدهما باسم الإسلام أن يلقيا السلاح وأن يحتكما إلى كتاب الله.
وأرسل في الوقت نفسه برقية إلى الرئيس السادات يرجوه التدخل للصلح بين القطرين الشقيقين، جاء فيها: "تتعلق بزعامتكم قلوب المسلمين من العرب والمسلمين الذين ينتظرون مساعيكم الحميدة في إصلاح ذات البين بمناسبة الصدام المسلح المؤسف بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب".
وقد رد السادات على برقية شيخ الأزهر ببرقية يخبره فيه بمساعيه للصلح بين الطرفين جاء فيها: "تلقيت بالتقدير برقيتكم بشأن المساعي لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأود أن أؤكد لكم أن مصر تقوم بواجبها القومي من أجل مصالح العرب والمسلمين، وما زال السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس يقوم بمهمته المكلف بها، أرجو الله عز وجل أن يكلل جهوده بالنجاح والتوفيق...".
وفي الوقت نفسه أرسل برقية إلى خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية آنذاك يدعوه للتدخل إلى حقن الماء بين الشقيقين وفض النزاع بينهما، وقد أحدثت هذه البرقيات أصداء قوية، وكانت عاملا في هدوء الحالة بين الدولتين الشقيقتين.
وفاة الشيخ
لقد كانت حياة الشيخ عبد الحليم محمود جهادا متصلا وإحساسا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، فلم يركن إلى اللقب الكبير الذي يحمله، أو إلى جلال المنصب الذي يتقلده، فتحرك في كل مكان يرجو فيه خدمة الإسلام والمسلمين، وأحس الناس فيه بقوة الإيمان وصدق النفس، فكان يقابل مقابلة الملوك والرؤساء، بل أكثر من ذلك؛ حيث كانت الجموع المحتشدة التي هرعت لاستقباله في الهند وباكستان وماليزيا وإيران والمغرب وغيرها تخرج عن حب وطواعية لا عن سوق وحشد وإرهاب.
وفي ظل هذا النشاط الجم والرحلات المتتابعة لتفقد المسلمين شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضي المقدسة فأجرى عملية جراحية لقي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق (15 من ذي القعدة 1397هـ= 17من أكتوبر 1978م) تاركا ذكرى طيبة ونموذجا لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر.
مأخوذ عن الاستاذ / أحمد تمام من موقع إسلام أون لاين
http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/06/article35.shtml
من مصادر الدراسة:
على عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن – الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية – القاهرة- 1399=1979.
عبد الحليم محمود: هذه حياتي – دار المعارف – القاهرة- 1976.
محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلام المعاصرين- دار القلم – دمشق1415-1995
بعد أن أكمل الصبي حفظ القرآن الكريم التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1351هـ=1932م) ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراة في التصوف الإسلامي، عن الحارث المحاسبي في سنة (1359هـ= 1940م).
وبعد عودته إلى مصر عمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، وتدرج في مناصبها العلمية حتى عين عميدا للكلية سنة (1384هـ= 1964م) ثم اختير عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينا عاما له، ثم اختير وكيلا للأزهر سنة (1390هـ= 1970م) ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر.
وللشيخ أكثر من 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، ومن أشهر كتبه: أوربا والإسلام، والتوحيد الخالص أو الإسلام والعقل، وأسرار العبادات في الإسلام، والتفكير الفلسفي في الإسلام، والقرآن والنبي، والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي.
إرهاصات الإصلاح
بدت بوادر الإصلاح واضحة في سلوك الشيخ عبد الحليم محمود بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حل محل جماعة كبار العلماء، فبدأ بتكوين الجهاز الفني والإداري للمجمع من خيار رجال الأزهر، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين وأصحاب المروءات.
وعمل الشيخ على توفير الكفايات العلمية التي تتلاءم ورسالة المجمع العالمية، وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عني بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.
وأثناء توليه لوزارة الأوقاف عني بالمساجد عناية كبيرة، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص أقدم المساجد في إفريقيا، وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ محمد الغزالي فدبت فيه الروح، وعادت إليه الحياة بعد أن اغتالته يد الإهمال، وتدفقت إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وأنشأ بمساجد الوزارة فصولا للتقوية ينتفع بها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلافا من الطلاب إلى المساجد وربطتهم بشعائر دينهم الحنيف.
ورأى أن للوزارة أوقافا ضخمة تدر ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعي لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعي، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافا عدت عليها يد الغصب أو النسيان، فعمل على استرداد المغتصب، وإصلاح الخرب.
استعادة هيبة الأزهر وشيخه
صدر قرار تعيين الشيخ عبد الحليم محمود شيخا للأزهر في (22 من صفر 1393هـ= 27 من مارس 1973م)، وكان هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير له، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديدمن رئيس الجمهورية في (17 من جمادى الآخرة 1394هـ= 7 من يوليو 1974م) يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يغض من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي.
روجع الإمام في أمر استقالته، وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره، لكن الشيخ أصر على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.
وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر أنور السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر.
وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه ليواصل جهاده. وجدير بالذكر أن قرارا جمهوريا صدر بعد وفاة الشيخ بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.
مسئولية شيخ الأزهر
كان الشيخ عبد الحليم يدرك خطورة منصبه، وأنه مسئول عن القضايا التي تتعلق بالمسلمين، وأنه لا ينتظر من أحد توجيها إلى النظر في بعض القضايا وغض النظر عن بعضها، فكان للأزهر في عهده رأي ومقال في كل قضية وموضوع يتعلق بأمر المسلمين، فتصدى لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت الدكتورة عائشة راتب إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، وحرصت على إقراره من مجلس الشعب على وجه السرعة، وكان هذا القانون قد تضمن قيودا على حقوق الزوج على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية.
ولما علم الإمام الأكبر بهذا القانون أصدر بيانا قويا حذر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور، لكن بيان الشيخ تآمرت عليه قوى الظلام فصدرت التعليمات إلى الصحف بالامتناع عن نشره، واجتمعت الحكومة للنظر في بيان الشيخ عبد الحليم محمود، ولم تجد مفرا من الإعلان عن أنه ليس هناك تفكير على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح الإمام في قتل القانون في مهده.
الكتب الدينية المشتركة
اقترح البابا شنودة بطريرك الأقباط في مصر تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس، مبررا ذلك بتعميق الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، وتقوية الروابط بينهما.
لقي هذا الاقتراح قبولا بين كبار المسئولين، وزار الدكتور مصطفى حلمي وزير التربية والتعليم آنذاك الإمام الأكبر ليستطلع رأيه في هذا الاقتراح، لكن الشيخ الغيور واجه الوزير بغضبة شديدة قائلا له: من آذنك بهذا، ومن الذي طلبه منك، إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة، ويوم يطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردي عليها سوى الاستقالة.
وما كان من الوزير إلا أن استرضى الشيخ الغاضب وقدم اعتذارا له قائلا له: إنني ما جئت إلا لأستطلع رأي فضيلتكم وأعرف حكم الدين، ويوم أن تقدم استقالتك لهذا السبب فسأقدم استقالتي بعدك مباشرة.
المحاكم العسكرية غير مؤهلة
ومن مواقف الشيخ الشجاعة ما أبداه تجاه المحكمة العسكرية التي تصدت للحكم في قضية جماعة التكفير والهجرة المصرية، وكانت المحكمة قد استعانت بعدد من علماء الأزهر لإبداء الرأي في فكر هذه الجماعة، غير أن المحكمة لم تسترح لرأيهم، وكررت ذلك أكثر من مرة، وكانت في عجلة من أمرها؛ الأمر الذي جعلها تصدر أحكاما دون استئناس برأي الأزهر.
ولم تكتف هذه المحكمة بذلك بل تضمن حكمها هجوما على الأزهر وعلمائه، وقالت: إنه كان على المسئولين عن الدعوة الدينية أن يتعهدوا الأفكار بالبحث والتدبر بدلا من إهمالها وعدم الاعتناء بمجرد بحثها.
ولمزت المحكمة علماء الأزهر بقولها: "وواأسفا على إسلام ينزوي فيه رجال الدين في كل ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح عن رأيهم أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة".
وكانت كلمات المحكمة قاسية وغير مسئولة وتفتقد إلى الموضوعية والأمانة، وهو ما أغضب الإمام الأكبر لهذا الهجوم العنيف، فأصدر بيانا امتنعت معظم الصحف اليومية عن نشره، ولم تنشره سوى صحيفة الأحرار.
وفي هذا البيان اتهم عبد الحليم محمود المحكمة بالتعجل وعدم التثبت، وأنها لم تكن مؤهلة للحكم على هذا الفكر، وأنها تجهل الموضوع الذي تصدرت لمعالجته، وكان يجب عليها أن تضم قضاة شرعيين يقفون موقفها ويشاركونها المسئولية ويتمكنون من الاطلاع على جميع ظروف القضية ونواحيها فيتمكنون من إصدار الحكم الصحيح.
واتهم الإمام المحكمة بأنها لم تمكن علماء الأزهر من الاطلاع على آراء هذا التنظيم أو الاستماع إلى شرح من أصحابه، والاطلاع على كافة الظروف التي أدت بهم إلى هذا الفكر، واكتفت بأن عرضت عليهم المحضر الذي سجلته النيابة من أقوال ومناقشات، وهذا لا يرقى أن يكون مصدرا كافيا يقوم عليه بحث العلماء، أو أساسا متكاملا تصدر عليه أحكام.
التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية
تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام.
وأدرك الشيخ خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ في التوسع في التعليم الأزهري، فكفاه الناس مئونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوي النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر في تحقيق ما يصبو إليه، فزادت المعاهد في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.
تطبيق الشريعة الإسلامية
ومن أهم دعوات الشيخ دعوته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية من ميادين الجهاد التي خاضها في صبر وجلد داعيا وخطيبا ومحاضرا ومخاطبا المسئولين في البلاد، فكتب إلى كل من سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول لهمها: "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا...".
ولم يكتف الإمام الأكبر بإلقاء الخطب والمحاضرات وإذاعة الأحاديث، بل سلك سبيل الجهاد العلمي، فكون لجنة بمجمع البحوث الإسلامية لتقنين الشريعة الإسلامية في صيغة مواد قانونية تسهل استخراج الأحكام الفقهية على غرار القوانين الوضعية، فأتمت اللجنة تقنين القانون المدني كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
الاهتمام بأمور المسلمين
كان الشيخ عبد الحليم محمود يستشعر أنه إمام المسلمين في كل أنحاء العالم، وأنه مسئول عن قضاياهم، وكان هؤلاء ينظرون إليه نظرة تقدير وإعجاب، فهم يعتبرونه رمز الإسلام وزعيم المسلمين الروحي، ولهذا كان يخفق قلب الإمام لكل مشكلة تحدث في العالم الإسلامي، ويتجاوب مع كل أزمة تلمّ ببلد إسلامي.
فقد أصدر بيانا بشأن الأحداث الدامية والحرب الأهلية في لبنان، دعا الأطراف المتنازعة من المسلمين والمسيحيين إلى التوقف عن إراقة الدماء وتخريب معالم الحياة، وأهاب بزعماء العرب والمسلمين إلى المسارعة في معاونة لبنان على الخروج من أزمته، وفاء بحق الإسلام وحق الأخوة الوطنية والإنسانية، وقياما ببعض تبعات الزعامة والقيادة التي هي أمانة الله في أعناقهم.
ولم يكتف الشيخ بذلك بل أرسل برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده العمل بحسم وعزم على وقف النزيف الدموي الذي أسالته المؤامرات المعادية على أرض لبنان.
الأزمة المغربية الجزائرية
قامت أزمة عنيفة بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغريبة التي كانت أسبانيا تحتلها، وأدى الخلاف بينهما إلى مناوشات حربية كادت تتحول إلى حرب عنيفة.
ولما علم الإمام بأخبار هذه التحركات سارع إلى إرسال برقية إلى كل من ملك المغرب ورئيس الجزائر، دعاهما إلى التغلب على نوازع الخلاف وعوامل الشقاق والفرقة، وأن يبادرا بتسوية مشكلاتهما وموضوعات الخلاف بينهما بالتفاهم الأخوي والأسلوب الحكيم، وناشدهما باسم الإسلام أن يلقيا السلاح وأن يحتكما إلى كتاب الله.
وأرسل في الوقت نفسه برقية إلى الرئيس السادات يرجوه التدخل للصلح بين القطرين الشقيقين، جاء فيها: "تتعلق بزعامتكم قلوب المسلمين من العرب والمسلمين الذين ينتظرون مساعيكم الحميدة في إصلاح ذات البين بمناسبة الصدام المسلح المؤسف بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب".
وقد رد السادات على برقية شيخ الأزهر ببرقية يخبره فيه بمساعيه للصلح بين الطرفين جاء فيها: "تلقيت بالتقدير برقيتكم بشأن المساعي لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأود أن أؤكد لكم أن مصر تقوم بواجبها القومي من أجل مصالح العرب والمسلمين، وما زال السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس يقوم بمهمته المكلف بها، أرجو الله عز وجل أن يكلل جهوده بالنجاح والتوفيق...".
وفي الوقت نفسه أرسل برقية إلى خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية آنذاك يدعوه للتدخل إلى حقن الماء بين الشقيقين وفض النزاع بينهما، وقد أحدثت هذه البرقيات أصداء قوية، وكانت عاملا في هدوء الحالة بين الدولتين الشقيقتين.
وفاة الشيخ
لقد كانت حياة الشيخ عبد الحليم محمود جهادا متصلا وإحساسا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، فلم يركن إلى اللقب الكبير الذي يحمله، أو إلى جلال المنصب الذي يتقلده، فتحرك في كل مكان يرجو فيه خدمة الإسلام والمسلمين، وأحس الناس فيه بقوة الإيمان وصدق النفس، فكان يقابل مقابلة الملوك والرؤساء، بل أكثر من ذلك؛ حيث كانت الجموع المحتشدة التي هرعت لاستقباله في الهند وباكستان وماليزيا وإيران والمغرب وغيرها تخرج عن حب وطواعية لا عن سوق وحشد وإرهاب.
وفي ظل هذا النشاط الجم والرحلات المتتابعة لتفقد المسلمين شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضي المقدسة فأجرى عملية جراحية لقي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق (15 من ذي القعدة 1397هـ= 17من أكتوبر 1978م) تاركا ذكرى طيبة ونموذجا لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر.
مأخوذ عن الاستاذ / أحمد تمام من موقع إسلام أون لاين
http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/06/article35.shtml
من مصادر الدراسة:
على عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن – الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية – القاهرة- 1399=1979.
عبد الحليم محمود: هذه حياتي – دار المعارف – القاهرة- 1976.
محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلام المعاصرين- دار القلم – دمشق1415-1995
Subscribe to:
Posts (Atom)