Wednesday 2 April 2008

القيادة الناجحة ضرورة لعمل ناجح: كلمة لقلوب إخواننا جميعا

سؤال: هل من الممكن أن تكون الإدارة سببا في ضعف العمل الدعوي؛ أي أن الإخوة المسئولين يكونون عائقا في طريق العمل إن كان بعض الأفراد غير راضين عنهم؟
وما الحل في رأيكم؟ وماذا تقولون لكلا الفريقين؟

الحل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم الله خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه، وعملكم به وله.

أخي الحبيب، إن إدارة أي عمل - دعوي أو غيره - أصل من أصول نجاحه أو فشله.

ولذا حث الرسول صلى الله عليه وسلم على وجود إدارة (قيادة) حتى ولو كان التجمع مجرد ثلاثة أفراد، أو كان العمل مجرد سفر، كما يقول عليه الصلاة والسلام: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود، فما بالنا بتجمع كثير أو عمل كبير؟!.

كما حث أن تكون الإدارة (القيادة) واعية وإلا حدث الفشل، كما يقول: "إذا وُسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخاري.

وسأهديك بعض ما هدانا إليه الإسلام عن أهم مواصفات المدير الصالح الناجح المحقق للنتائج المسعد لنفسه ولمن حوله، وأهم مواصفات الإدارة والقيادة الناجحة، وأهم السلبيات فيها والتي يجب تجنبها منعا للفشل والتعاسة.. وهي:

* الحب: كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم" رواه مسلم، ومعنى تصلون عليهم ويصلون عليكم: تدعون لهم ويدعون لكم.

* الرفق: فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به" رواه مسلم.

* الحلم والصبر والروية: كما يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بقوم خيرا ولى عليهم حلماءهم.." رواه الديلمي.

* التواجد وعدم الانعزال: كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي.

* التناصح بالخير وبذل الجهد: في تحقيق المنافع والإصلاح والإسعاد، ولهم جميعا ثواب كل ذلك، كما يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من أمير يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" رواه مسلم.

* الصدق والأمانة وعدم الغش والخداع: كما يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة" رواه البخاري ومسلم.

* العدل والمساواة وعدم المحاباة أو إضاعة الحقوق لحرج أو غيره: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "يا أبا ذر، إني أحب لك ما أحب لنفسي، إني أراك ضعيفا؛ فلا تأمرن على اثنين ولا تَولين مال يتيم" رواه مسلم.

* الحوار وحرية إبداء الآراء: من الجميع ما أمكن، والسير برأي الأغلبية، كما يقول تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم؛ فظهْر الأرض خير لكم من بطنها. وإذا كانت أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم؛ فبطن الأرض خير لكم من ظهرها" رواه الترمذي، ومعنى أمركم إلى نسائكم: أي تغلبون العاطفة على العقل كما تفعل النساء أحيانا.

* احترام الكرامة والمشاعر: كما يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرمْنَا بَنِي آدَمَ)، ويقول: (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ من قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا منْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ من نسَاءٍ عَسَى أَن يَكُن خَيْرًا منْهُن وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ).

* التيسير والتسامح والتقارب والتبشير والتفاؤل والأمل: فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن، فقال لهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" رواه مسلم.

* صلاح المجموع: فإن كانوا صالحين سيخرج منهم بكل تأكيد مسئولون صالحون، والعكس صحيح، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كما تكونوا يول عليكم" رواه البيهقي.

* احترام النظام الذي ارتضوه: والتعاون بكل الجهود والإمكانات مع المسئولين على تنفيذه وإنجاحه، كما يقول تعالى: (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)، قال الإمام الطبري في تفسيرها: ".. وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضا من معروف".

وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك" رواه مسلم، ما دام المطلوب منك في حدود الاستطاعات والطاقات، وهي تختلف من شخص لآخر حسب البيئة التي نشأ فيها، ومعنى أثرة عليك: أي حتى لو حدث في حقك تقصير من مسئولك، فأداؤك أنت الحق سيدفع غيرك يوما ما إلى العودة لإعطاء كل ذي حق حقه.

ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: "فيما استطعتم" رواه البخاري ومسلم، وما دام الأمر في إطار الإسلام وحلاله، لا حرامه ومعاصيه، كما يقول صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" رواه البخاري.

* تكوين الفريق الصالح مع المسئول من النواب والمستشارين الصالحين: كما يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق؛ إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه. وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء؛ إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يُعنه" رواه أبو داود.

* دوام متابعة الأهداف العامة والمرحلية: ما تحقق منها، وما لم يتحقق وأسباب ذلك، مع المتابعة الميدانية للعاملين وروحهم الإنتاجية وعلاقاتهم فيما بينهم وطاقاتهم الصحية والعقلية وما شابه هذا، كما يقول صلى الله عليه وسلم منبها لذلك: "ليس الخبر كالمعاينة" رواه أحمد بسند صحيح].

وذلك مع الميل إلى العفو أولا عند التقصير، ثم اللوم أو حتى العقاب إذا احتاج الأمر عند التكرار؛ لأن العفو يدفع غالبا للإصلاح الذاتي، كما يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: ".. فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" رواه الترمذي.

وكذلك الحرص على إثابة المحسن بالإحسان، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض المعارك يزيد من غنائم الجنود الذين كان لهم دور بارز في النصر، ولم يكن في نفوس الآخرين شيء؛ لعلم الجميع بأثرهم في المعركة؛ حيث إن هذا يشجع الكل على التطور.

* ألا يقدم مسئول نفسه لمسئولية ما؛ خوفا من أن يكون له غرض ما غير الإصلاح؛ فيفشل ويتعس في دنياه وآخرته، كما ينبه لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "لن نستعمل على عملنا من أراده" رواه مسلم، إلا إذا كانت نواياه خالصة، ووجد في ذاته صلاحا وخبرة واستعدادا ووقتا وجهدا وفكرا لعمل ما؛ فليستعن بالله وليتقدم، وليعاونه المخلصون من حوله، كما فعل يوسف صلى الله عليه وسلم حينما قال: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِني حَفِيظٌ عَلِيمٌ).

أخي الحبيب، ما سبق هو الحل، وهو ما ننصح به كل مسئول وكل فرد؛ لأنه لا بد أن يكون محملا بمسئولية ما حتى ولو كانت محدودة.. نقول لهم جميعا:

* عليكم بالتمسك بكل ما أوصانا به الإسلام لتنجحوا وتسعدوا في حياتكم وآخرتكم، والبعد عن كل ما نهانا عنه حتى لا تفشلوا وتتعسوا فيهما.

* عليكم بالحب؛ فبه تلتقي القلوب وتندمج وتتلاحم، وتنطلق بكل قوة نحو تحقيق الأهداف والرقي والسعادة.. وإياكم والبغض؛ فبه تفترق وتتمزق وتتشتت وتتخلف وتتعس.

* عليكم بالرفق؛ فبه تسير الأمور بسلاسة. وإياكم والشدة؛ فبها تتعقد.

* عليكم بالحلم والصبر والتفاؤل والاستبشار والأمل؛ فبها يحدث الاطمئنان والاستقرار وحسن اتخاذ القرار وإصابة الصواب.. وإياكم والعصبية والعجلة واليأس؛ فبها يحدث التوتر والقلق وفقدان الهدف.

* عليكم بالتناصح بالخير بكل لين وحسنى وأدب واحترام متبادل؛ فبه تتم سرعة التصويب وبلوغ النتائج وتدارك الأخطاء وضبط الاعوجاج.. وإياكم وكتمان النصيحة؛ فهو بداية الانزلاق والتيه في الخطأ وعدم تداركه إلا بعد فوات الأوان.

* عليكم بالصدق والأمانة والوضوح والتكاشف؛ فبها يتحقق الأمان، وتتضح الأهداف، ويحسن اختيار الوسائل وتوزيع الأدوار والجهود. وإياكم والكذب والغش والخداع والمداراة؛ فهي أمور تضعف الإنجاز وتعوقه وتمنعه، وتجعل حلول المشكلات صعبة معقدة عسيرة غامضة.

* وعليكم بالعدل؛ فهو الذي سيستخرج الطاقات بأكملها دون إخفاء؛ لأن كلا يأخذ حقه، وكلما أعطى أكثر أخذ نتيجة أكثر.. وإياكم والظلم؛ فإنه قد يدفع كل ذي خبرة أن يكتمها، إضافة إلى إيغاره للصدور وزرعه للأحقاد والشرور.

* وعليكم بالحوار والتفاهم، والأخذ برأي الأغلبية، والتخطيط وعدم التردد بعده، وحسن المتابعة، والعمل الجماعي بروح الفريق في إطار الأخوة وسلامة القلوب وصفائها؛ فبهذا يتم الاستماع للآخرين وقبولهم، وتتجمع الآراء، وتقوى ويكمل بعضها بعضا.

وبالأغلبية تترتب الأهداف والإجراءات، ويؤخذ بالأنسب منها ويعمل به، وتتعدد البدائل بحيث يطبق الأول لفترة؛ فإن كان مناسبا فبها ونعمت، وإن لم يكن مناسبا يستخدم الذي بعده، وهكذا.

ولو فرض وحدث عدم توفيق لسبب ما تحمل الجميع العواقب، وبدءوا في التكاتف لعلاجها سريعا؛ إذ الغالب مشارك في الرأي.. وإياكم و"الديكتاتورية"؛ فإنها من أهم أسباب السلبية والإحباط، وكبت الطموح والابتكار، ونشر الأخلاقيات الفاسدة كالخوف، والنفاق والرياء، والظلم، وعدم التخطيط، والتردد، والتخبط والعشوائية، ونحو ذلك من المفاسد، ثم رأي واحد سيكون أضعف - ولا شك - من عدة آراء.

* عليكم بالتعاون؛ فالاتحاد قوة.. وإياكم والفرقة والتنازع والجدل؛ فإنها سبب لكل انهزام، كما يقول تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" رواه الترمذي.

* وعليكم بالتدريب والانتخاب؛ فبالأول تنمو المواهب والطاقات، وبالثاني يشترك الأفراد في اختيار مسئوليهم؛ فيقفون وراءهم بكل ما أمكنهم؛ لأنهم ممثلون لهم ومختارون منهم وبهم.. وإياكم و"الروتينية"، فإنها سبب الجمود والتراجع، وإياكم وتعيين المسئولين - إلا عند الضرورة والاحتياج لنوعية معينة في ظرف معين أو عند تعذر انتخابهم - فإنه قد يكون سببا في عدم التجانس والتوافق.

* ثم عليكم أولا وأخيرا وبكل تأكيد دوام الارتباط بالله تعالى بدعائه والإخلاص له وطلب عونه؛ فإنه سبب لزيادة كل نجاح وتوفيق وثواب وسعادة.. وإياكم إياكم والبعد عنه؛ فإنه سبب لكل فشل وإخفاق وذنب وتعاسة.

وفقكم الله وأعانكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
--------------------
منقول من موقع اسلام اونلاين- المستشار الدكتور محمد محمود منصور